غاية الهداية والمعنى متقارب، وقد يحذف الحرف تخفيفاً وقد جمع بين المتعديين هنا بحرف الجر، فعدى الأول والثالث بإلى والثاني باللام والتعدية بهذين الحرفين من باب التفنن في البلاغة، ولذلك قال الزمخشري هداه للحق وإلى الحق فجمع بين اللغتين: والمراد بالحق في المواضع الثلاثة ضد الباطل.
ولما كانوا جاهلين بالجواب الحق في ذلك أو معاندين أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب بقوله (قل) لهم (الله) الذي له الإحاطة الكاملة (يهدي للحق) من يشاء دون غيره ممن زعمتموهم شركاء، ودليل ذلك ما تقدم من الأدلة الدالة على اختصاصه سبحانه بهذا، وهداية الله سبحانه لعباده إلى الحق هي بما نصبه لهم من الآيات في المخلوقات وإرساله للرسل وإنزاله للكتب، وخلقه لما يتوصل به العباد إلى ذلك من العقول والأفهام والأسماع والأبصار.
والاستفهام في قوله (أفمن) للتقرير وإلزام الحجة والفاء لترتيبه على ما سبق وهو برهان ثامن لم يذكر جوابه في الآية، والمعنى أفمن (يهدي) الناس (إلى الحق) وهو الله سبحانه (أحق أن يتبع) ويقتدي (أم من لا يهدي) أي أم الأحق بأن يتبع ويقتدي به من لا يهتدي بنفسه (إلا أن يهدى) الاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يهتدي في حال من الأحوال إلا في حال هدى الغير إياه، وكان مقتضى المقابلة أن يقال أم من لا يهدي، وإنما خولف إشارة إلى أنه إذا لم يهتد بنفسه لا يهدي غيره.
وقال النحاس: الاستثناء منقطع كما تقول فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع أي لكنه يحتاج أن يسمع، فمعنى إلا أن يهدى أي لكنه يحتاج أن يهدى (فما لكم كيف تحكمون) هذا تعجيب من حالهم باستفهامين متواليين أي أيُّ شيء يثبت لكم في هذه الحالة؟ فهذه جملة مستقلة، وكيف تحكمون لي باتخاذ هؤلاء شركاء لله؟ وهي جملة أخرى مستقلة، وكلا الاستفهامين للتقريع والتوبيخ.