(وادعوا) بمظاهريكم ومعاونيكم (من استطعتم) دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب ومن آلهتكم التي تجعلونها شركاء لله (من دون الله) أي من سوى الله من خلقه (إن كنتم صادقين) في دعواكم إن هذا القرآن مفترى، فإن ذلك مستلزم لإمكان الإتيان بمثله، وهو أيضا مستلزم لقدرتكم عليه.
وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة وأوضحها وأظهرها للعقول، فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية قال: لهم هذا الذي نسبتموه إليّ وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجَمّ بسورة مماثلة لسورة من سوره، واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم، أو من غيرهم من بني آدم ومن الجن أو من الأصنام، فإن فعلتم هذا بعد اللتيا والتي فأنتم صادقون فيما نسبتموه إليّ والصقتموه بي.
فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف والتنزل البالغ بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة، بل كاعوا عن الجواب وتشبثوا بأذيال العناد البارد والمكابرة المجردة عن الحجة، وذلك مما لا يعجز عنه مبطل.
ومراتب تحدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أربعة: أولها: أنه تحداهم بكل القرآن كما قال تعالى (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن)
ثانيها: أنه تحداهم بعشر سور. قال تعالى (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات).
ثالثها: أنه تحداهم بسورة واحدة كما قال تعالى (فأتوا بسورة مثله)
رابعها: أنه تحداهم بحديث مثله كما قال تعالى (فليأتوا بحديث مثله)
فهذا مجموع الدلائل التي ذكرها الله في إثبات إن القرآن معجز.