وكذا أهل الكلام طعنوا في هذه القصة وعدوها من المحالات لمسخ الإنسان كوكباً كما بينوه في كتبهم. وحاول البيضاوي التوفيق بأنها تمثيلات كقصة ابسال وسلامان وحرير مقطان وغير ذلك مما وضعه المتقدمون والمتأخرون إشارة إلى أن القوى لو ركبت في تلك لعصت. وأسماء الله ومناجاته تلحق السفلى بالعلوى ونحوه.
هذا؛ وقد أطنب الشيخ ابن حجر المكي في جواب الرازي واستبعاده لهذه القصة في كتابه الزواجر بما لا مزيد عليه.
وقال القرطبي بعد سياق بعض تلك، قلنا هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره لا يصح منه شيء؛ فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه؛ وسفراؤه إلى رسله (ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ثم ذكر ما معناه أن العقل يجوز وقوع ذلك منهم لكن وقوع هذا الجائز لا يدرك إلا بالسمع ولم يصح انتهى.
وأقول هذا مجرد استبعاد وقد ورد الكتاب العزيز في هذا الموضع تراه ولا وجه لإخراجه عن ظاهره بهذه التكلفات؛ وما ذكره من أن الأصول تدفع ذلك؛ فعلى فرض وجود هذه الأصول فهي مخصصة بما وقع في هذه القصة، ولا وجه لمنع التخصيص، وقد كان إبليس بتلك المنزلة العظيمة وصار أشر البرية وأكفر العالمين (١)
(وما يعلمان من أحد) أي هاروت وماروت أو الرجلان والأول أولى؛ قال الزجاج تعليم إنذار من السحر لا تعليم دعاء إليه؛ قال وهو الذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر؛ ومعناه أنهما يعلمان على النهي فيقولان لهم لا تفعلوا كذا، وقد قيل أن قوله (ويعلمان) من الإعلام لا من التعليم وقد جاء في كلام العرب تعلم بمعنى أعلم كما حكاه ابن الأنباري وابن الأعرابي وهو كثير في أشعارهم (حتى يقولا) أي إلا أن ينصحاه أولا أو أن يقولا.
(١) قوله: كان إبليس بتلك المنزلة العظيمة وصار أشر البرية وأكفر العالمين دعوى لا دليل عليها.