للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله به من التفرقة، لأن الله ذكر ذلك في معرض الذم للسحر وبين ما هو الغاية في تعليمه، فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره، وقالت طائفة أخرى أن ذلك خرج مخرج الأغلب وأن الساحر يقدر على غير ذلك المنصوص عليه، وقيل ليس للسحر تأثيراً في نفسه أصلاً لقوله تعالى.

(وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) والحق أنه لا تنافي بين القولين المذكورين، فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثير في نفسه وحقيقة ثابتة، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة كما تقدم وهذا استثناء مفرغ من أعم الأحوال.

(ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) يعني السحر لأنهم يقصدون به العمل أو لأن العلم يجر إلى العمل غالباً، وفيه تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضرر محض، وخسران صرف، وشر بحت، قال أبو السعود فيه أن الاجتناب عما لا تؤمن غوائله خير كتعلم الفلسفة التي لا يؤمن أن تجر إلى الغواية، وإن قال من قال:

عرفت الشر لا للشر ... ولكن لتوقيه

ومن لا يعرف الشر ... من الناس يقع فيه

(ولقد علموا) يعني اليهود (لمن اشتراه) أي اختار السحر، والمراد بالشراء هنا الاستبدال أي من استبدل ما يتلو الشياطين (ما له في الآخرة من خلاق) أي من نصيب كما عند أهل اللغة، كذا قال الزجاج (ولبئس ما شروا به أنفسهم) أي باعوها وقد أثبت لهم العلم في قوله ولقد علموا، ونفاه عنهم في قوله (لو كانوا يعلمون) واختلفوا في توجيه ذلك فقال قطرب والأخفش أن المراد بقوله (ولقد علموا) الشياطين والمراد بقوله (لو كانوا يعلمون) الأنس وقال الزجاج أن الأول للملكين وإن كان بصيغة الجمع فهو مثل قولهم الزيدان قاموا، والثاني المراد به علماء اليهود، وإنما قال لو كانوا يعلمون لأنهم تركوا العمل بعلمهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>