قال الحفناوي: ولم يقل يستعجلون منه للدلالة على ما يوجب ترك الاستعجال وهو الإجرام لأن من حق المجرم أن يخاف من العذاب على إجرامه وأن يهلك فزعاً من مجيئه وأن ابطأ فكيف يستعجله.
ودخول الهمزة الاستفهامية في (أَثُمَّ إذا ما وقع آمنتم به) لإنكار إيمانهم حيث لا ينفع الإيمان وذلك بعد نزول العذاب، وهو يتضمن معنى التهويل عليهم وتفظيع ما فعلوه في غير وقته مع تركهم له في وقته الذي يحصل به النفع والدفع، وهذه الجملة داخلة تحت القول المأمور به، وجيء بكلمة ثم التي للتراخي دلالة على الاستبعاد، وجيء بإذا مع زيادة ما للتأكيد دلالة على تحقق وقوع الإيمان منهم في غير وقته ليكون في ذلك استجهال لهم.
والمعنى أبعد ما وقع عذاب الله عليكم وحل بكم سخطه وانتقامه آمنتم حين لا ينفعكم هذا الإيمان شيئاً ولا يدفع عنكم ضراً، وقيل أن هذه الجملة ليست داخلة تحت القول المأمور به وأنها من قول الملائكة استهزاء بهم وإزراء عليهم، والأول أولى، وقيل ثم هنا بفتح الثاء بمعنى هناك والأول أولى.
(آلآن) بهمزتين الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة ال المعرفة إذا اجتمع هاتان الهمزتان وجب في الثانية أحد أمرين: تسهيلها من غير ألف بينها وبين الأولى وإبدالها مداً بقدر ثلاث ألفات، وقد وقع في القرآن الكريم من هذا القبيل ستة مواضع اثنان في الأنعام وهما (آلذكرين) مرتين، وثلاثة في هذه السورة فقط آلآن هنا وفيما سيأتي ولفظ (آلله أذن لكم) وواحد في النمل (آلله خير) فلا يجوز في هذه المواضع الستة تحقيق الهمزتين، بل يجب أحد الأمرين اللذين قد عرفتهما، قيل هو استئناف بتقدير للقول غير داخل تحت القول الذي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم، أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به (و) الحال أنكم (قد كنتم به) أي العذاب (تستعجلون) يعني تكذبون لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والاستهزاء ويكون المقصود بأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول على سبيل التوبيخ لهم والازراء عليهم.