وقال الزجاج: أنزل بمعنى خلق كما قال (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية ازواج وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد)(قل آلله أَذِنَ لكم) في هذا التحليل والتحريم والهمزة للإنكار (أم على الله تفترون) أم منقطعة بمعنى بل كما في الكشاف، والظاهر أنها متصلة كما قال السفاقسي: أي آلله اذن لكم أم تكذبون عليه في نسبة الإذن إليه.
قال الكرخي: وكفى به زاجراً لمن أفتى بغير إتقان كبعض فقهاء هذا الزمان اهـ. وإظهار الاسم الشريف وتقديمه على الفعل للدلالة على كمال قبح الافتراء.
قلت وفي هذه الآية الشريفة ما يصك مسامع المتصدرين للإفتاء لعباد الله في شريعته بالتحليل والتحريم والجواز وعدمه، مع كونهم من المقلدين الذين لا يعقلون حجج الله ولا يفهمونها ولا يدرون ما هي، ومبلغهم من العلم الحكاية لقول قائل من هذه الأمة قد قلدوه في دينهم وجعلوه شارعاً مستقلاً، ما عمل به من الكتاب والسنة فهو العمول به عندهم وما لم يبلغه أو بلغه ولم يفهمه حق فهمه وأخطأ الصواب في اجتهاده وترجيحه فهو في حكم المنسوخ عندهم، المرفوع حكمه عن العباد، مع كون من قلدوه متعبداً بهذه الشريعة كما هم متعبدون بها ومحكوماً عليه بأحكامها كما هم محكوم عليهم بها، وقد اجتهد رأيه وأدى ما عليه وفاز بأجرين مع الإصابة وأجر مع الخطأ، إنما الشأن في جعلهم لرأيه الذي أخطأ فيه شريعة مستقلة ودليلاً معمولاً به.
وقد أخطأوا في هذا خطأً بيّناً وغلطوا غلطاً فاحشاً فان الترخيص للمجتهد في اجتهاد رأيه يخصه وحده، ولا قائل من أهل الإسلام المعتد بأقوالهم أنه يجوز لغيره أن يعمل به تقليداً له واقتداء به، وما جاء به المقلدة في تقويم هذا الباطل فهو من الجهل العاطل، اللهم كما رزقتنا من العلم ما نميز به الحق والباطل فارزقنا من الإنصاف ما نظفر عنده بما هو الحق عندك يا واهب الخير.
قال النسفي: الآية زاجرة عن التجوز فيما يسئل من الأحكام وباعثة على وجوب الاحتياط فيه وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان وإلا فهو مفتر على الديّان.