نذهبها عنكم لا تقرأ ولا تذكر، وقرىء ننسها بضم النون من النسيان الذي بمعنى الترك أي نتركها فلا نبدلها ولا ننسخها.
ومنه قوله تعالى (نسوا الله فنسيهم) أي تركوا عبادته فتركهم في العذاب، وحكى الأزهري أن معناه نأمر بتركها يقال أنسيته الشيء أي أمرته بتركه ونسيته تركته، وقال الزجاج أن القراءة بضم النون لا يتوجه فيها معنى الترك لا يقال أنسى بمعنى ترك، قال وما روي عن ابن عباس أو ننسها أي نتركها لا نبدلها فلا يصح.
والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى أو ننسها نبح لكم تركها من نسى إذا ترك ثم تعديه، وقد ثبت في البخاري وغيره عن أنس " أن الله أنزل في الذين قتلوا في بئر معونة أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا " ثم نسخ، وهكذا ثبت في مسلم وغيره عن أبي موسى قال " كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة براءة فانسيتها غير أني حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوفه إلا التراب " وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات أولها سبح لله ما في السموات فأنسيناها غير أني حفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) فتكتب شهادة في أعناقكم فتسئلوا عنها يوم القيامة، وقد روي مثل هذا من طريق جماعة من الصحابة ومنه آية الرجم كما رواه عبد الرزاق وأحمد وابن حبان عن عمر.
(نأت بخير منها أو مثلها) أي نأت بما هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل أو في أحدهما أو بما هو مماثل لها من غير زيادة، ومرجع ذلك إلى إعمال النظر في المنسوخ والناسخ فقد يكون الناسخ أخف فيكون أنفع لهم في العاجل، وقد يكون أثقل وثوابه أكثر فيكون أنفع في الآجل، وقد يستويان فتحصل المماثلة، وقال الشافعي الكتاب لا ينسخ بالسنة المتواترة وتابعه على ذلك طائفة، واستدل بهذه الآية وليس بصحيح، والحق جواز نسخ الكتاب بالسنة، والكلام في هذا معروف في أصول الفقه.