قال القرطبي: وهو كلام حسن فإن المعاينة التي لا ينفع معها الإيمان هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يونس دعا قومه فلما أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب فقال: إنه يأتيكم يوم كذا وكذا ثم خرج عنهم، وكانت الأنبياء إذا وعدت قومها العذاب خرجت، فلما أظلهم العذاب خرجوا ففرقوا بين المرأة وولدها والسخلة وولدها، وخرجوا يعجون إلى الله، وعلم الله منهم الصدق فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب وقعد يونس في الطريق يسأل عن الخبر فمر به رجل فقال: ما فعل قوم يونس؟ فحلله بما صنعوا فقال: لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم، وانطلق مغاضباً، يعني مراغماً. وعن سعيد بن جبير قال: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى القبر، بالثوب إذا دخل فيه صاحبه ومطرت السماء دماً.
وعن ابن عباس: إن العذاب كان هبط على قوم يونس لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشفه الله عنهم، وقال قتادة: قدر ميل.
وقال وهب: غامت السماء غيماً أسود هائلاً يدخن دخاناً شديداً، فهبط حتى غشى مدينتهم واسودت أسطحتهم فتابوا وأخلصوا النية فرحمهم ربهم وكشف ما نزل بهم من العذاب بعدما أظلهم، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، وكان يوم الجمعة، قيل أنهم قالوا: يا حي حين لا حي، ويا حي يحيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت. وقيل قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلَّت وأنت أعظم وأجل، فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله، قاله الفضيل بن عياض، والله أعلم ما قالوه.
ثم بيّن سبحانه إن الإيمان وضده كلاهما بمشيئة الله وتقديره فقال