للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إحدهما أن ما ينسخ به القرآن يجب أن يكون خيراً أو مثلاً، والسنة ليست كذلك.

ثانيهما أنه قال (نأت) والضمير لله سبحانه، فيجب أن لا ينسخ إلا بما يأتي به الله وهو القرآن.

وأجاب الأولون عن ذلك بأن المراد بقوله نأت بخير منها أو مثلها أي بحكم خير منها أو مثلها في حق المكلف باعتبار الثواب وهذا صحيح، ولا يخالفه الضمير في قوله (نأت) فإن القرآن والسنة جميعاً من عند الله سبحانه، ْقال الله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) والكلام في المسألة طويل وهو مدون في الأصول بما لا يتسع المقام لبسطه، فالحق الجواز.

وأما نسخ الكتاب بما صح من آحاد السنة فقد منعه الجمهور لأن الآحاد لا تفيد القطع والكتاب مقطوع به، وذهب جماعة من متأخري الحنفية إلى جواز نسخ القرآن بالخبر المشهور، وقال في جمع الجوامع أن نسخ القرآن بالآحاد جائز غير واقع، وقال أبو بكر الباقلاني والغزالي وأبو عبد الله البصري أنه جائز في عصره صلى الله عليه وآله وسلم لا بعده، وذهب جمع من الظاهرية إلى جوازه ووقوعه.

وأقول أن النزاع إن كان في قطعية المتن فلا شك أن القرآن كذلك وما صح من آحاد السنة ليس بقطع، وإن النزاع في الدلالة فإن كان القرآن المنسوخ عموماً أو محتملاً فدلالته ظنية كدلالة ما صح من الآحاد، والذي يصلح أن يكون محلاً للنزاع هنا هو الثاني لا الأول، على أنه قد وقع نسخ القطعي بالظني فإن استقبال بيت المقدس ثبت ثبوتاً قطيعاً متواتراً، ثم أن أهل قباء استداروا إلى الكعبة وهم في الصلاة بخبر واحد، ولم ينكر عليهم ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك ثبت نسخ الوصية للوالدين والأقربين

<<  <  ج: ص:  >  >>