مصدرية ظرفية أي كل وقت مرور قوم استهزؤوا به لعمله السفينة، والجملة في محل نصب على الحال، قال الأخفش والكسائي: يقال سخرت به ومنه.
وفي وجه سخريتهم منه قولان (أحدهما) أنهم كانوا يرونه يعمل السفينة فيقولون: يا نوح صرت بعد النبوة نجاراً، وكان يصنعها في برية في أبعد موضع من الماء وفي وقت عزته عزة شديدة (والثاني) أنهم لما شاهدوه يعمل السفينة وكانوا لا يعرفونها قبل ذلك ولا كيفية استعمالها والانتفاع بها فتعجبوا من ذلك وقالوا: يا نوح ما تصنع بها.
(قال) أمشي بها على الماء فعجبوا من قوله وسخروا به ثم أجاب عليهم بقوله (إن تسخروا منا) وهذا الكلام مستأنف على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قال لهم فقيل قال والمعنى أن تسخروا منا بسبب عملنا السفينة اليوم.
(فإنا نسخر منكم) غداً عند الغرق، ومعنى السخرية هنا الاستجهال أي إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم، وهذا على سبيل المشاكلة إذ السخرية لا تليق بمقام الأنبياء، وقيل أنه لجزائهم من جنس صنيعهم فلا يقبح (كما تسخرون) أي تستجهلون واستجهاله لهم باعتبار إظهاره لهم ومشافهتهم وإلا فهم عنده جهال قبل هذا وبعده والتشبيه لمجرد التحقيق والوقوع أو التجدد والتكرر.
والمعنى إنا نسخر منكم سخرية متحققة واقعة كما تسخرون منا كذلك أو متجددة متكررة كما تسخرون منا كذلك، وقيل معناه نسخر منكم في المستقبل سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق وفيه نظر فإن حالهم إذ ذاك لا تناسبه السخرية إذ هم في شغل شاغل عنها ثم هددهم بقوله.