للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانفصال الشعاع والنور الموافق لنور البصر، والتقدير في قوله ومنهم من يستمعون ومنهم من ينظر ومنهم ناس يستمعون ومنهم بعض ينظر.

(أفأنت تسمع الصم) الهمزة للإنكار يعني أن هؤلاء وإن استمعوا في الظاهر فهم صم والصمم مانع من سماعهم فكيف يطمع منهم في ذلك مع حصول المانع وهو الصمم، فكيف إذا انضم إلى ذلك (لو كانوا لا يعقلون) فإن من كان أصم غير عاقل لا يفهم شيئاً ولا يسمع ما يقال له، والفاء عاطفة.

وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم وهو لا يتأتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره، وعقولهم لما كانت مريضة بمعارضة الوهم ومتابعة الإلف والتقليد، تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق.

والكلام في (ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون) كالكلام فيما تقدم لأن العمى مانع فكيف يطمع من صاحبه في النظر، وقد انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يكون له من الحدس الصحيح ما يفهم به في بعض الأحوال فهما يقوم مقام النظر، وكذلك الأصم (وعصوا) أي رؤساؤهم وسفلتهم (رسله) أي هوداً وحده لأنه لم يكن في عصره رسول سواه، وإنما جمع هنا للتعظيم أو لأن من كذب رسولاً فقد كذب جميع الرسل.

وقيل إنهم عصوا هوداً ومن كان قبله من الرسل أو كانوا بحيث لو بعث الله إليهم رسلاً متعددين لكذبوهم (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) الجبار المتكبر والعنيد الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له ويتجاوز في الظلم.

قال أبو عبيدة: العنيد والعنود والعاند والمعاند هو المعارض بالخلاف منه، ومنه قيل للعرق الذي يتفجر بالدم عاند، وعن قتادة قال: عنيد مشرك، وقال السدي: العنيد المشاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>