ونكرت لما تراه بقلبك، قيل وإنما استنكر منهم ذلك لأن عادتهم إن الضيف إذا نزل بهم ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه قد جاء بشر، ولم يأت بخير قاله قتادة.
وفي الذاريات (قوم منكرون) أي غرباء لا أعرفهم قال ذلك في نفسه كما قاله ابن عباس، وقيل إنما أنكر أمرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان، وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
(وأوجس منهم) أي أحس في نفسه (خيفة) أي خوفاً وفزعاً، وقيل معنى أوجس أضمر في نفسه، والأول ألصق بالمعنى اللغوي، والوجس هو رعب القلب والإيجاس الإدراك وقيل الإضمار، وفي السمين الإيجاس حديث النفس وأصله من الدخول كأن الخوف داخله والوجيس ما يعتري النفس أو أن الفزع ووجس في نفسه كذا أي خطر بها يجس وجساً ووجيساً وكأنه ظن أنهم قد نزلوا به لأمر ينكره أو لتعذيب قومه.
(قالوا لا تخف) قالوا له ذلك مع كونه لم يتكلم بما يدل على الخوف بل أوجس ذلك في نفسه فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه أو قالوه له بعد ما قال عقب ما أوجس في نفسه من الخيفة قولاً يدل على الخوف كما في قوله في سورة الحجر (قال إنا منكم وجلون) ولم يذكر ذلك هاهنا اكتفاء بما هنالك.
ثم عللوا نهيه عن الخوف بقولهم (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) خاصة ولوط أول من آمن بإبراهيم وأبوه هاران أخو إبراهيم، ويمكن أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال قولاً يكون هذا جواباً عنه كما قال:(فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين).