وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه، وهذه عادة الأنبياء عليه السلام يبدؤون بالأهم فالأهم.
ولما كان الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء دعاهم إليه ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف، وكان المعتاد منهم البخس في الكيل والوزن، وكانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد، وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص فقال:
ْ (ولا تنقصوا المكيال والميزان) أي لا عند الأخذ ولا عند الدفع، والنقص فيهما على وجهين كما قدمنا الإشارة إليه، والمراد بالمكيال المكيل به وبالميزان الموزون به، وهذا أبلغ في الأمر بوفائهما (إني أراكم لخير) أي بثروة وسعة في الرزق تغنيكم عن البخس فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده، وهذه النعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكراً عليها لا أن تنقصوا حقوقهم، وهو في الجملة علة النهي.
ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى فقال (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) فهذه العلة فيها الاذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإذكار لهم بنعيم الدنيا، ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب لأن العذاب واقع في اليوم، فهو مجاز في الإسناد كقولهم نهاره صائم، ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم أنه لا يشذ منهم أحد عنه ولا يجدون منه ملجأً ولا مهرباً، واليوم هو يوم القيامة، وقيل هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة. قال ابن عباس: الخير رخص السعر والعذاب غلاء السعر.