يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم، فإن الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز، وقال (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله)، ولم يقل وعيده، بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع أنه توعد على ذلك وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد.
وقال في موضع آخر: أن أهل النار إذا أدخلوها لا يزالون خائفين مترقبين أن يخرجوا منها فإذا أغلقت عليهم أبوابها اطمأنوا لأنها خلقت على وفق طباعهم قال الحافظ آبن القيم: وهذا في طرف أي جهة، والمعتزلة القائلون بأنه يجب على الله تعذيب من توعده بالعذاب في طرف آخر، فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أبداً، والقولان مخالفان لما علم بالاضطرار أن الرسول جاء به وأخبر به عن الله.
ومنها قولُ جمع: النارُ تفنى فإنه تعالى جعل لها أمداً تنتهي إليه ثم يزول عذابها لهذه الآية، وقوله تعالى (لابثين فيها أحقاباً) قال هؤلاء: وليس في القرآن دلالة على بقاء النار وعدم فنائها، إنما الذي فيه أن الكفار خالدون فيها وأنهم غير خارجين منها وأنه لا يفتر عنهم عذابها وأنهم لا يموتون، وأن عذابهم فيها مقيم وأنه غرام لازم، وهذا لا نزاع فيه من الصحابة والتابعين، إنما النزاع في أمر آخر وهو أن النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء، وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يدخلون الجنة فلم يختلف فيه أحد من أهل السنة.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول بفنائها عن جمع من الصحابة والتابعين، وقد نصر هذا القول ابن القيم كشيخه ابن تيمية وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه، وقد أول ذلك كله الجمهور، وأجابوا عن الآيات المذكورة بنحو عشرين وجهاً وعما نقل أولئك الصحب بأن معناه ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين، أما مواضع الكفار فهي ممتلئة منهم لا يخرجون عنها أبداً كما ذكر الله في آيات كثيرة، انتهى كلامه.