للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشاركك في الإيمان وما أعظم موقع هذه الآية وأشد أمرها فإن الاستقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة والذوات المقدسة ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم شيبتني هود كما تقدم.

وعن سفيان الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: قل آمنت بالله ثم استقم (١) أخرجه مسلم أقول هي تشمل العقائد والأعمال والأخلاق فإنها في العقائد اجتناب التشبيه والتأويل والتعطيل والصرف عن الظاهر وفي الأعمال الاحتراز عن الزيادة والنقصان والبدع والمحدثات والتغيير للكتاب والتبديل للسنن والتقليد للرجال وللآراء وفي الأخلاق التباعد عن طرفي الإفراط والتفريط وهذا في غاية العسر وبالله التوفيق وهو المستعان.

(ولا تطغوا) الطغيان مجاوزة الحد لما أمر الله سبحانه بالاستقامة المذكورة بين أن الغلو في العبادة والإفراط في الطاعة على وجه يخرج به عن الحد الذي حده والمقدار الذي قدره ممنوع منه منهى عنه وذلك كمن يصوم ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام ويترك الحلال الذي أذن الله به ورغب فيه ولهذا يقول الصادق المصدوق فيما صح عنه: " أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأنكح النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " (٢)، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته تغليباً لحالهم على حاله أو النهي عن الطغيان خاص بالأمة.

قال ابن عباس: لا تطغوا لا تظلموا، وقال العلاء بن عبد الله: لم يرد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما عنى الذين يجيئون من بعدهم، وعن ابن زيد الطغيان خلاف أمره وارتكاب معصيته (إنه بما تعملون بصير) يجازيكم على حسب ما تستحقون، والجملة تعليل لما قبلها، قيل ما نزلت آية على رسول الله صلّى الله عليه وسلم هي أشد عليه من هذه الآية.


(١) مسلم، ٣٨.
(٢) النسائي، كتاب النكاح، باب ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>