غرضهم ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات، ويوردونه من التعنتات، فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون وأجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك حتى تدخل في دينهم وتتبع ملتهم، والملة اسم لا شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه وهكذا الشريعة، وقال ابن عباس: هذا في أمر القبلة أيسوا منه أن يوافقهم عليها، والرضا ضد الغضب وهو من ذوات الواو لقولهم الراضون (قل إن هدى الله) أي الإسلام (هو الهدى) الحقيقي لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة والكتب المحرفة.
ثم أتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال (ولئن) هذه تسمى اللام الموطئة للقسم وعلامتها أن تقع قبل أدوات الشرط، وأكثر مجيئها مع إن، وقد تأتي مع غيرها نحو (لما آتيتكم من كتاب، لمن تبعك منهم)(اتبعت أهواءهم) أي أهواء اليهود والنصارى (بعد الذي جاءك من العلم) أي البيان بأن دين الله هو الإسلام، وأن القبلة هي قبلة إبراهيم وهي الكعبة، ويحتمل أن يكون تعريضاً لأمته وتحذيراً لهم أن يواقعوا شيئاً من ذلك، أو يدخلوا في أهواء أهل الملل ويطلبوا رضا أهل البدع، أخرج الثعلبي عن ابن عباس قال: أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قبلتهم، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينهم، فأنزل الله هذه الآية.
وجواب القسم قوله (مالك من الله من ولي) يلي أمرك ويقوم بك (ولا نصير) ينصرك ويمنعك من عقابه، وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتنصدع منه الأفئدة ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه، والقائمين ببيان شرائعه، ترك الدهان لأهل البدع المتمذهبين بمذاهب السوء التاركين للعمل بالكتاب والسنة، المؤثرين لمحض الرأي عليهما فإن غالب هؤلاء وإن أظهر قبولاً وأبان من أخلاقه ليناً لا يرضيه إلا اتباع بدعته والدخول في مداخله، والوقوع في حبائله، فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنة