مصلحون) حال من المفعول والعامل عامله ولكن لا باعتبار تقييده بما وقع حالاً من فاعله أعني بظلم لدلالته على تقييد نفي الإهلاك ظلماً بحال كون أهلها مصلحين ولا ريب في فساده بل مطلقاً عن ذلك.
وقيل المراد بالظلم الشرك والباء للسببية أي لا يهلك القرى بسبب إشراك أهلها أي بمجرد الشرك وحده حتى ينضم إليه الفساد في الأرض ومتابعة الهوى كما أهلك قوم شعيب بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم وأهلك قوم لوط بسبب ارتكابهم للفاحشة الشنعاء وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم لا يظلمون الناس شيئاً وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه تعالى.
ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد الفقراء على حقوق الله الغني الحميد وقيل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم وأنت تدري أن مقام النهي عن المنكرات التي أقبحها الإشراك بالله لا يلائمه فإن الشرك داخل في الفساد في الأرض دخولاً أولياً ولذلك ينهى كل من الرسل الذين قصت أنباؤهم أمته أولاً عن الإشراك ثم عن سائر المعاصي التي كانوا يتعاطونها فالوجه حمل الظلم على مطلق الفساد الشامل للشرك وغيره من أصناف المعاصي وحمل الإصلاح على إصلاحه والإقلاع عنه يكون بعضهم متصدين للنهي عنه وبصنعهم متوجهين إلى الاتعاظ غير مصرين على ما هم عليه من الشرك وغيره من أنواع الفساد.
وقيل المعنى وما كان يهلكهم بذنوبهم وهم مخلصون في الإيمان فالظلم المعاصي على هذا، أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن تفسير هذه الآية فقال: وأهلها ينصف بعضهم بعضاً، وروي موقوفاً على جرير، قيل والمراد بالهلاك عذاب الاستئصال في الدنيا وأما عذاب الآخرة فهو لازم لهم.