(وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر) إنما سأل إبراهيم ذلك لأن مكة لم يكن بها زرع ولا ثمرة فاستجاب الله له وجعل مكة حرماً آمناً تجبى إليه ثمرات كل شيء، عن محمد بن مسلم الطائفي قال: بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم نقل الله الطائف من فلسطين (ومن) للتبعيض أي بعض الثمرات، ولم يقل من الحبوب لما في تحصيله من الذل الحاصل بالحرث وغيره، فاقتصاره على الثمرات لتشريفهم، وقيل " من " للبيان وليس بشيء إذ لم يتقدم مبهم يبين بها، والمراد بالأمن المذكور في قوله (مثابة للناس وآمنا) هو الأمن من الأعداء والخسف والمسخ والمراد هنا من الأمن هو الأمن من القحط، ولهذا قال (وارزق أهله من الثمرات) ذكره الكرخي.
والمعنى وارزق من آمن من أهله دون من كفر، وسبب هذا التخصيص أن إبراهيم لما سأل ربه أن يجعل النبوة والإمامة في ذريته: فأجابه الله بقوله: (لا ينال عهدي الظالمين) وصار ذلك تأديباً له في المسئلة فلا جرم خص هنا بدعائه المؤمنين دون الكافرين، ثم أعلمه أن الرزق في الدنيا يستوي فيه المؤمن والكافر بقوله:
(قال ومن كفر فأمتعه) أي سأرزق الكافر أيضاً (قليلاً) أي في الدنيا مدة حياته، وعن محمد بن كعب القرظي قال: دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفار، ولم يدع لهم بشيء فقال تعالى (ومن كفر فأمتعه) الآية. وعن ابن عباس قال: كان إبراهيم احتجزها على المؤمنين دون الناس، فأنزل الله ومن كفر فأنا أرزقهم أيضاً كما أرزق المؤمنين، أخلق خلقاً لا أرزقهم، ثم قرأ ابن عباس (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء) الآية، فالظاهر أن هذا من كلام الله سبحانه رداً على إبراهيم حيث طلب الرزق للمؤمنين دون غيرهم، ويحتمل أن يكون كلاماً مستقلاً بياناً لحال من كفر ويكون في حكم الإخبار عن حال الكافرين بهذه الجملة الشرطية، أي من كفر فإني أمتعه في هذه الدنيا بما يحتاجه من الرزق إلى منتهى أجله وذلك قليل لأنه ينقطع.