السعي في الحيلة والخديعة ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه، وهو محمول في حق الله سبحانه على النهاية لا على البداية.
وقال ابن الأعرابي: الكيد التدبير بالباطل وبالحق، وقيل الكيد هنا جزاء الكيد يعني كما فعلوا بيوسف عليه السلام في الابتداء فعلنا بهم وقيل غير ذلك والأول أولى، وفي الآية دليل على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعاً ثابتاً.
(ما كان) يوسف عليه السلام (ليأخذ أخاه) بنيامين (في دين الملك) أي ملك مصر وفي شريعته التي كان عليها بل كان دينه وقضاؤه أن يضرب السارق ويغرم ضعف ما سرقه دون الاستعباد سنة كما هو دين يعقوب وشريعته؛ وحاصله أن يوسف ما كان يتمكن من إجراء حكم يعقوب على أخيه مع كونه مخالفاً لدين الملك وشريعته لولا ما كاد الله له ودبره وأراده حتى وجد السبيل إليه، وهو ما أجراه على ألسن إخوته من قولهم أن جزاء السارق الاسترقاق، فكان قولهم هذا هو بمشيئة الله وتدبيره.
وهذه الجملة تعليل لما صنعه الله من الكيد ليوسف عليه السلام أو تفسير له يعني أن ذلك الأمر كله كان إلهاماً من أمر الله ليوسف عليه السلام وإخوته حتى جرى الأمر على وفق المراد وهو معنى قوله (إلا أن يشاء الله) أي إلا حال مشيئته وإذنه بذلك وإرادته له والاستثناء منقطع، إذ الأخذ بدين الملك لا يشمل المراد به، فالمعنى ولكن أخذه بشريعة يعقوب.
(نرفع درجات من نشاء) بضروب العلوم والمعارف والعطايا والكرامات كما رفعنا درجة يوسف عليه السلام بذلك؛ والآية على أن العلم أشرف المقامات وأعلى الدرجات لأن الله تعالى مدح يوسف عليه السلام ورفع درجته