البكاء قيل أنه زال إدراكه بحاسة البصر بالمرة، قال مقاتل: لم يبصر شيئاً ست سنين، والتزمه بعضهم بناء على جواز مثل هذا على الأنبياء بعد التبليغ.
وقيل كان يدرك إدراكاً ضعيفاً، قال بعض أهل اللغة الحزن بالضم والسكون البكاء وبفتحتين ضد الفرح، وقال أكثر أهل اللغة هما لغتان بمعنى، والبكاء بالمد رفع الصوت وبالقصر نزول الدمع من غير صوت وهو المناسب هنا وهو أحد قولين والذي جرى عليه المصباح والقاموس أنه لا فرق بينهما في أن كُلاًّ يستعمل في كليهما.
وقد قيل في توجيه ما وقع من يعقوب عليه السلام من هذا الحزن العظيم المفضي إلى ذهاب بصره كُلاًّ أو بعضاً أنه إنما وقع منه ذلك لأنه علم أن يوسف عليه السلام حيّ فخاف على دينه مع كونه بأرض مصر وأهلها حيئنذ كفار، وقيل أن مجرد الحزن ليس بمحرم وإنما المحرم ما يفضي منه إلى الوله وشق الثياب والتكلم بما لا ينبغي.
قال أبو السعود: وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند النوائب فإن الكف من ذلك مما لا يدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون انتهى.
ويؤيد هذا قوله (فهو كظيم) أي مكظوم فإن معناه أنه مملوء من الحزن ممسك له لا يبثه ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه من كظم السقاء إذا سده على ما فيه والكظم بالفتح مخرج النفس، يقال أخذ بأكظامه، وقيل الكظيم بمعنى الكاظم أي المشتمل على حزنه الممسك له ومنه والكاظمين الغيظ.