إذ نفْع نزول القرآن يعم كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن القرآن والإيمان في قلوب المؤمنين.
(فاحتمل السيل) احتمل بمعنى حمل فافتعل بمعنى المجرد وإنما نكر الأودية وعرف السيل لأن المطر ينزل على المناوبة والسيل قد فهم من الفعل قبله وهو فسالت (زبداً رابياً) الزبد هو الأبيض المرتفع المنتفخ على وجه السيل ويقال له الغُثاء والرغوة وكذلك ما يعلو عن القدر عند غليانها، وقيل الزبد وضر الغليان والوضر بفتحتين وسخ الدسم ونحوه وهو مجاز عما يعلو الماء من الغُثاء والرابي العالي المرتفع فوق الماء، قال الزجاج: هو الطافي فوق الماء، وقال غيره هو الزائد بسبب انتفاخه من ربا يربو إذا زاد.
والمراد من هذا تشبيه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الوادي وتدفعه الرياح، فكذلك يذهب الكفر ويضمحل، وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء نفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ووعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين ونفعه ما بعثني الله به فتعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (١)، أخرجه البخاري ومسلم.
وقد تم هنا المثل الأول ثم شرع سبحانه في ذكر المثل الثاني فقال (ومما يوقدون عليه في النار) مِن لابتداء الغاية أي ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض بمعنى وبعضه زبد مثله والضمير للناس أضمر مع عدم سبق الذكر لظهوره؛ هذا على قراءة التحتية واختاره أبو عبيدة، وقرئ بالفوقية على الخطاب والمعنى ومما توقدون عليه في النار فيذوب من الأجسام المتطرفة