(جاءتهم رسلهم بالبينات) أي المعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة والشرائع الواضحة مستأنف وهذا في المعنى تفسير لنبأ الذين من قبلهم (فردوا أيديهم) أي جعلوا أيدي أنفسهم (في أفواههم) ليعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل كما في قوله تعالى (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) لأن الرسل جاءتهم بتسفيه أحلامهم وشتم أصنامهم.
وقيل أن المعنى أنهم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم لما جاءتهم الرسل بالبينات أي اسكتوا واتركوا هذا الذي جئتم به تكذيباً لهم ورداً لقولهم، وقيل المعنى أنهم أشاروا إلى ألسنتهم وما يصدر عنها من قولهم إنا كفرنا بما أرسلتم به أي لا جواب لكم سوى هذا الذي قلناه لكم بألسنتنا هذه، قيل وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجباً كما يفعله من غلبه الضحك من وضع يده على فيه.
وقيل المعنى ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم، فالضمير الأول للرسل، والثاني للكفار، وقيل جعلوا أيديهم في أفواه الرسل رداً لقولهم؛ فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل، وقيل معناه أومأوا إلى الرسل أن اسكتوا، وقيل أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم، والمراد بهما على هذا هاتان الجارحتان المعلومتان.
وقيل أن الأيدي هنا النعم أي ردوا نعم الرسل بأفواههم أي بالنطق والتكذيب، والمراد بالنعم هنا ما جاءوهم به من الشرائع، وقال أبو عبيدة ونعم ما قال هو ضرب مثل أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا، والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت قد رد يده في فيه، وهكذا قال الأخفش.
واعترض على ذلك القتيبي فقال: لم يسمع أحد من العرب يقول رد يده في فيه إذا ترك ما أمر به، وإنما المعنى عضوا على الأيدي حنقاً وغيظاً، وهذا هو القول الذي قدمناه على جميع هذه الأقوال، وبه قال ابن مسعود وهو