بلدكم، فلعله يرجع إلى دينكم، وقيل نزلت في المنافقين وإنما قالوا ذلك استهزاء بالإسلام، وقيل يحتمل أن لفظ السفهاء للعموم فيدخل فيه جميع الكفار والمنافقين واليهود، ويحتمل وقوع هذا الكلام من كلهم إذ لا فائدة في التخصيص، ولأن الأعداء يبالغون في الطعن والقدح فإذا وجدوا مقالاً قالوا، ومجالاً جالوا، والإتيان بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب وعليه أكثر المفسرين وحكمته أنهم كما قالوا ذلك في الماضي منهم أيضاً من يقوله في المستقبل كما قال البيضاوي تبعاً للكشاف.
(ما ولاّهم) أي ما صرفهم (عن قبلتهم) وهي بيت المقدس (التي كانوا عليها) أي ثابتين مستمرين على التوجه إليها ومراعاتها واعتقاد حقيتها، والقبلة هي الجهة التي يستقبلها الإنسان، وإنما سميت قبلة لأن المصلي يقابلها وتقابله، ولما قال السفهاء ذلك رد الله عليهم بقوله (قل لله المشرق والمغرب) فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء لا يختص به مكان دون مكان لخاصة ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه، وإنما العبرة بارتسام أمره أي امتثاله لا بخصوص المكان، وتخصيص هاتين الجهتين بالذكر لمزيد ظهورهما حيث كان أحدهما مطالع الأنوار والإصباح، والآخر مغربها، ولكثرة توجه الناس إليهما لتحقيق الأوقات لتحصيل المقاصد والمهمات ذكره الكرخي (يهدي من يشاء) من عباده إشعار بأن تحويل القبلة إلى الكعبة من الهداية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأهل مِلَّتِهِ (إلى صراط مستقيم) يعني إلى جهة الكعبة وهي قبلة إبراهيم عليه السلام.
وقد أخرج البخاري ومسلم (١) وغيرهما عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان أول ما نزل المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأن أول صلاة صلاها العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على
(١) أحمد بن حنبل ٤/ ٢٨٢ - البخاري كتاب الإيمان الباب ٢٠.