ومن المعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط ولا أمكنه أصلاً فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنويعها واختلاف أجناسها، اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت، ومما علمناه شكراً لا يحيط به حصر ولا يحصره عد، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان.
قال سليمان التيمي: إن الله أنعم على العباد على قدره وكلفهم الشكر على قدرهم وعن بكر بن عبد الله المزني قال: يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك.
وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه، وعن أبي أيوب القرشي قال: قال داود عليه السلام: رب أخبرني ما أدنى نعمتك عليَّ؟ فأوحى إليه يا داود فتنفس فتنفس، فقال هذا أدنى نعمتي عليك.
(إن الإنسان لظلوم) لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه، وقيل الظلوم الشاكر لغير من أنعم عليه فيضع الشكر في غير موضعه، وظاهره شمول كل إنسان، وقال الزجاج: أن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة، كما قال إن الإنسان لفي خسر، وقيل يريد أبا جهل والأول أولى.
(كفار) أي شديد كفران نعم الله عليه جاحد لها غير شاكر لله سبحانه عليها كما ينبغي ويجب عليه. عن عمر بن الخطاب قال: اللهم اغفر لي ظلمي وكفري، فقال قائل يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما بال الكفر، قال إن الإنسان لظلوم كفار، وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع.