(الله غافلاً عما يعمل الظالمون) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو تعريض لأمته فكأنه قال ولا تحسب أمتك يا محمد، ويجوز أن يكون خطاباً لكل من يصلح له من المكلفين وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم من غير تعريض لأمته، فمعناه التثبيت على ما كان عليه من عدم الحسبان كقوله (ولا تكونن من المشركين) ونحوه، وقيل المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم؛ أو يكون المراد بالنهي عن الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية.
قال ميمون بن مهران في الآية: هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم، وعن سفيان بن عيينة نحوه، والغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور، وقيل حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ؛ وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم بل سنة الله سبحانه في إمهال العصاة.
(إنما يؤخرهم) أي يؤخر جزاءهم وعذابهم ولا يؤاخذهم بظلمهم، وهذه الجملة استئناف وقع تعليلاً للنهي السابق (ليوم) أي لأجل يوم فاللام للعلة وقيل بمعنى إلى التي للغاية (تشخص فيه الأبصار) أي أبصارهم فلا تقر في أماكنها، قال الفراء: المعنى ترفع فيه أبصار أهل الموقف ولا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم.
شخوص البصر حدة النظر وعدم استقراره في مكانه، يقال شخص سمعه وبصره وأشخصهما صاحبهما وشخص بصره أي لم يطرف جفنه، ويقال شخص من بلده أي بعد، والشخص سواد الإنسان المرئي من بعيد، والمراد أن الأبصار بقيت مفتوحة لا تتحرك من شدة الحيرة والدهشة. قال قتادة: شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم، قيل أل للعهد وقيل لو حمل على العموم كان أبلغ في التهويل وأسلم من التكرير.