الناس يقتلون أنفسهم ظلماً لمراضاة محمد - صلى الله عليه وسلم - من غير فائدة فنزلت هذه الآية.
وأخبر الله أن من قتل في سبيله فإنه حي، وإنما خص الشهداء لأنهم فضلوا على غيرهم بمزيد النعم، وهو أنهم يرزقون من مطاعم الجنة ومآكلها، وغيرهم ينعمون بما دون ذلك.
(ولكن لا تشعرون) بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب أرواحهم لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر، بحسب ما يبلغ إليه علمكم الذي هو بالنسبة إلى علم الله كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر. وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ تصل أرواحهم إلى الجنان، فهم أحياء من هذه الجهة، وإن كانوا أمواتاً من جهة خروج الروح من أجسادهم.
وفي الآية دليل على ثبوت عذاب القبر للعصاة وأن المطيعين لله يصل إليهم ثوابهم وهم في قبورهم في البرزخ، ولا اعتداد بخلاف من خالف في ذلك، فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة ودلت عليه الآيات القرآنية، ومثل هذه الآية قوله تعالى:(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) وقد وردت أحاديث في أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تأكل من ثمار الجنة (١)، فمنها عن كعب بن مالك مرفوعاً عند أحمد والترمذي وصححه النسائي وابن ماجة وروي " أن أرواح الشهداء على صور طيور بيض " كما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي العالية.
والآية نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر، وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس من البدن تبقى بعد الموت دراكة وعليه جمهور الصحابة والتابعين، وبه نطقت الآيات والسنن، وعلى هذا تخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله تعالى ومزيد البهجة والكرامة.