كون كل واحد منهما عبداً لله سبحانه ووصفه بكونه (لا يقدر على شيء) لأن المكاتب والمأذون يقدران على بعض التصرفات، فهذا الوصف لتمييزه عنهما، واحتج الفقهاء بهذا علي أن العبد لا يملك شيئاً.
(ومن) أي الذي، وقيل موصوفة، واختاره الزمخشري كأنه قيل وحراً من الأحرار الذين يملكون الأموال ويتصرفون بها كيف شاءوا (رزقناه) ليطابق عبداً (منا) أي من جهتنا (رزقاً حسناً) والمراد به أنه مما يحسن في عيون الناس لكونه رزقاً كثيراً مشتملاً على أشياء مستحسنة نفيسة تروق الناظرين إليها (فهو ينفق منه) في وجوه الخير ويصرف منه إلى أنواع البر والمعروف (سراً وجهراً) أي في حال السر وحال الجهر، والمراد بيان عموم الإنفاق للأوقات وتقديم السر على الجهر مشعر بفضيلته عليه وأن الثواب فيه أكثر.
(هل يستوون) أي الحر والعبد الموصوفان بالصفات المتقدمة، وجمع الضمير لمكان (من) لأنه اسم مبهم يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، وقيل إنه أريد بالعبد، والوصول الذي هو عبارة عن الحر الجنس أي من اتصف بتلك الأوصاف من الجنسين، والاستفهام للإنكار أي هل يستوي العبيد والأحرار مع كون كلا الفريقين مخلوقين لله سبحانه من جملة البشر، ومن المعلوم أنهم لا يستوون فكيف يجعلون لله سبحانه شركاء لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً ويجعلونهم مستحقين للعبادة مع الله سبحانه.
وحاصل المعنى إنه كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء ورجل حر قد رزقه الله رزقاً حسناً فهو ينفق منه، كذلك لا يستوي الرب الخالق الرازق والجمادات من الأصنام التي تعبدونهما وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تنفع ولا تضر، وقيل المراد بالعبد المملوك في الآية هو الكافر المحروم من طاعة الله وعبوديته، والآخر هو المؤمن. وقال ابن عباس بمعناه بأطول من هذا، والغرض إنهما لا يستويان في الرتبة والشرف.