المسافر قد يحتاج إلى من يأوي إليه في نزوله وإلى ما يدفع به عن نفسه آفات الحر والبرد نبه سبحانه على ذلك فقال:
(وجعل لكم من الجبال أكنانا) جمع كن وهو ما يستكن به من المطر وشدة الحر والبرد وفي المختار الكن السترة والجمع أكنان والأكنة الأغطية، وقال الكسائي كن الشيء ستره وبابه رد، وفي القاموس الكن بالكسر وقاء كل شيء وستره كالكنة والكنان كسرهما والكن البيت جمعه أكنان وأكنة وكنه كناً وكنونا وأكنه وكننه واكتنه ستره واستكن استتر كاكتن والكنة جناح يخرج من حائط أو سقيفة فوق باب الدار أو ظله هنالك أو مخدع انتهى.
وهي هنا الغيران والأسراب في الجبال ونحوه جعلها الله سبحانه عدة للخلق يأوون إليها ويتحصنون بها ويعتزلون عن الخلق فيها لأن الإنسان غني أو فقير فالغني يستصحب معه الخيام في سفره ليسكن فيها، وإليه الإشارة في الآية المتقدمة، والفقير يسكن في ظلال الأشجار والحيطان والكهوف وإلى هذه الإشارة في هذه الآية وكانت بلاد العرب شديدة الحرارة وحاجتهم إلى الظلال وما يدفع شدة الحر وقوته أكثر فلهذا السبب ذكر الله هذه المعاني في معرض الامتنان عليهم بها لأن النعمة عليهم فيها ظاهرة.
(وجعل لكم سرابيل) جمع سربال وهي القمصان والثياب من الصوف والقطن والكتان وغيرها، قال الزجاج كل ما لبسته فهو سربال (تقيكم الحر) أي تدفع عنكم ضرر الحر والبرد وهو ما عليه أكثر المفسرين من أنه من حذف المعطوف للعلم به.
قال الشهاب في الريحانة في الآية نكتة لطيفة لم ينبهوا عليها وهو أنه إنما اقتصر على الحر لأنه أهم هنا لما عرف من غلبة الحر على ديار العرب ثم إن ما يقي الحر يحصل به برودة في الهواء في الجملة فوقاية الحر إنما هي لتحصيل البرد، وهذا فيه من اللطف ما هو ألطف من النسيم، فلِلَّه در التنزيل فكم فيه من أسرار لا تتناهى انتهى، ونظيره بيدك الخير أي والشر لأن