نبي من أنبيائه من أمللت الكتاب إذا أمليته وهو الدين بعينه، لكن باعتبار الطاعة له وتحقيق ذلك أن الوضع الإلهي مهما نسب إلى من يؤديه عن الله تعالى يسمى ملة، ومهما نسب إلى من يقيمه ويعمل به يسمى ديناً.
قال الراغب: الفرق بينهما إن الملة لا تضاف إلا إلى النبي ولا تكاد توجد مضافة إلى الله ولا إلى آحاد الأمة، ولا تستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها والمراد بملته الإسلام الذي عبر عنه آنفاً بالصراط المستقيم.
وقيل والمراد اتباعه صلى الله عليه وسلم ولملته عليه السلام في التوحيد والدعوة إليه، وقال ابن جرير: في التبري من الأوثان والتدين بدين الإسلام، وقيل في مناسك الحج، وقيل في الأصول دون الفروع. وقال أبو السعود في الأصول والعقائد وأكثر الفروع دون الشرائع المتبدلة بتبدل الإعصار انتهى. وقيل في جميع شريعته إلا ما نسخ، وهذا هو الظاهر.
وفي الكرخي: إنما جاز اتباع الأفضل المفضول لسبقه إلى القول والعمل به، قال القرطبي وفي هذه الآية دليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول فيما يؤدي إلى الصواب ولا درك على الفاضل في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء عليهم السلام وقد أمر بالاقتداء بالأنبياء مع كونه سيدهم فقال تعالى (فبهداهم اقتده)
(حنيفا) حال من إبراهيم، وجاز مجيء الحال منه لأن الملة كالجزء منه، وقد تقرر في علم النحو أن الحال من المضاف إليه جائز إذا كان يقتضي المضاف العمل في المضاف إليه أو كان جزء أو كالجزء من حيث صحة الاستغناء بالثاني عن الأول، إذ يصح أن يقال أن اتبع إبراهيم حنيفاً.
(وما كان من المشركين) تكرير لما سبق للنكتة التي ذكرناها، أي كرر رداً على زعم المشركين أنهم على دينه.