بالدليل لا بالتقليد، لأنك لو طلبت بالتقليد لا بالدليل، مع أن ذلك المتقدم طلبه بالدليل لا بالتقليد كنت مخالفاً له، فثبت أن القول بالتقليد يفضي ثبوته إلى نفيه فيكون باطلاً.
وإنما ذكر تعالى هذه الآية عقيب الزجر عن اتباع خطوات الشيطان تنبيهاً على أنه لا فرق بين متابعة وساوس الشيطان وبين متابعة التقليد، وفيه أقوى دليل على وجوب النظر والاستدلال، وترك التعويل على ما يقع في الخاطر من غير دليل، أو على ما يقوله الغير من غير دليل، انتهى كلامه.
وكم من آية بينة وأثر جلي تدل على ذم التقليد والمقلدين، ولكن مفاسد الجهل والتعصب كثيرة لا يأتي عليها الحصر، وقد أفرده الشوكاني بمؤلف مستقل سماه القول المفيد في حكم التقليد، واستوفى الكلام فيه في أدب الطلب ومنتهى الأرب، وألف الحافظ الواحد المتكلم ابن القيم في ذلك كتاباً ضخماً سماه أعلام الموقعين عن رب العالمين.
قال ابن عباس: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد - صلى الله عليه وسلم - ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيراً منا، فأنزل الله في ذلك هذه الآية:
(أولو كان آباؤهم) الهمزة للإنكار، والواو إما للحال أو للعطف، وجواب لو محذوف قاله أبو البقاء وتقديره لاتبعوهم، والذي جرى عليه أبو السعود أن لو في مثل هذا التركيب لا تحتاج إلى جواب لأن القصد منها تعميم الأحوال (لا يعقلون) أي لا يعلمون (شيئاً) من أمر الدين، وهذا لفظ عام ومعناه خاص لأنهم كانوا يعقلون كثيراً من أمور الدنيا فهذا يدل على جواز ذكر العام مع أن المراد به خاص (ولا يهتدون) إلى الصواب وكيفية اكتسابه، قال البيضاوي: وهو دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر والاجتهاد.