قسم وفيه ما تقدم (اجتمعت الإنس والجن) وكذا الملائكة، وإنما لم يذكروا لأن التحدي ليس معهم والتصدي لمعارضته لا يليق بشأنهم.
(على أن يأتوا بمثل هذا القرآن) المنزل من عند الله الموصوف بالصفات الجليلة من كمال الفصاحة ونهاية البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ (لا يأتون بمثله) أظهر في مقام الإضمار ولم يكتف بأن يقول لا يأتون به؛ على أن الضمير راجع إلى المثل المذكور لدفع توهم أن يكون له مثل معين، وللإشعار بأن المراد نفي المثل على أي صفة كان، وهو جواب قسم محذوف أو جواب للشرط واعتذروا عن رفعه بأن الشرط ماض والأول أظهر.
ثم أوضح سبحانه عجزهم عن المعارضة سواء كان المتصدي لها أحدهم على الانفراد أو كان المتصدي لها المجموع بالمظاهرة فقال (ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) أي عوناً ونصيراً في تحقيق ما يتوخونه من الإتيان بمثله، فثبت أنهم لا يأتون بمثله على كل حال مفروض، ولو في هذه الحال المنافية لعدم الإتيان به فضلاً عن غيرها، وفيه حسم لأطماعهم الفارغة في روم تبديل بعض آياته ببعض وقد تقدم وجه الإعجاز في أوائل سورة البقرة.
وفي هذه الآية رد لما قاله الكفار (لو نشاء لقلنا مثل هذا) وإكذاب لهم. عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن شحان ونعيمان ابن آصي وبحري بن عمرو وسلام بن مشكم، فقالوا: أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئت به أحق من عند الله، فإنا لا نراه متناسقاً كما تناسق التوراة، فقال لهم " والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله "، قالوا: إنا نجيئك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فالقرآن كلام الله في أعلى طبقات البلاغة والفصاحة لا يشبه كلام الخلق وهو