وقال الزجاج: فرقه الله في التنزيل ليفهمه الناس. قال أبو عبيدة: التخفيف أعجب إليّ لأن تفسيره بيّناه، وليس للتشديد معنى إلا أنه نزل متفرقاً، ويؤيده ما رواه ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: فرقت مخففاً بين الكلام وفرقت مشدداً بين الأجسام.
وعن ابن عباس فرقناه مثقلاً وقال: نزل القرآن إلى السماء في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث الله لهم جواباً ففرقه الله في ثلاث وعشرين سنة. وقد روى نحو هذا عنه بطرق، وعن فرقناه فصلناه على مكث بأمد. قال؛ في الجمل وبالتشديد قرأ على وجماعة من الصحابة وغيرهم وفيه وجهان: أحدهما: أن التضعيف للتكثير، أي فرقنا آياته بين أمر ونهي وحكم وأحكام ومواعظ وأمثال وقصص وأخبار ماضية ومستقبلة. والثاني: أنه دال على التفريق والتنجيم. انتهى.
ثم ذكر سبحانه العلة لقوله فرقناه فقال (لتقرأه على الناس على مكث) أي على تطاول في المدة شيئاً بعد شيء على القراءة الثانية أو أنزلناه آية آية وسورة سورة، ومعناه على القراءة الأولى على ترسل وتمهل وتؤدة في التلاوة؛ فإن ذلك أقرب إلى الفهم وأسهل للحفظ، وقد اتفق القراء على ضم الميم في مكث إلا ابن محيصن فإنه قرأ بفتح الميم.
(ونزلناه تنزيلاً) التأكيد بالمصدر للمبالغة والمعنى أنزلناه منجماً مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة على حسب الحوادث لما في ذلك من المصلحة، ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا ولم يطيقوا.