يقول في سجوده: يا رحمن يا رحيم فسمعه رجل من المشركين فلما أصبح قال لأصحابه: أن ابن أبي كبشة يدعو الرحمن الذي باليمن وكان رجل باليمن يقال له رحمن فنزلت.
ثم ذكر كيفية أخرى للدعاء فقال (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) أي بقراءة صلاتك على حذف المضاف للعلم بأن الجهر والمخافتة من نعوت الصوت لا من نعوت أفعال الصلاة فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء يقال خفت صوته خفوتاً إذا انقطع كلامه وضعف وسكن وخفت الزرع إذا ذبل وخافت الرجل بقراءته إذا لم يرفع بها صوته.
وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها والأول أولى، أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: نزلت يعني هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (ولا تخافت بها) عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوا عنك الحديث (١).
وعن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا قرأ خفض وكان عمر إذا قرأ جهر فقيل لأبي بكر لمَ تصنع هذا فقال: أنا أناجي ربي وقد عرف حاجتي وقيل لعمر لمَ تصنع هذا قال: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فلما نزل (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت) قيل لأبي بكر أرفع شيئاً، وقيل لعمر اخفض شيئاً، وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت: إنما نزلت هذه الآية في الدعاء وعنها أنها نزلت في التشهد.
(وابتغ بين ذلك) أي الجهر والمخافتة المدلول عليهما بالفعلين (سبيلاً)