ولبثوا في كهفهم الآية، ثم قال: كم لبث القوم؟ قالوا ثلثمائة وتسع سنين. قال لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله: قل الله أعلم بما لبثوا، ولكنه حكى مقالة القوم فقال سيقولون ثلاثة إلى قوله رجماً بالغيب، فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال سيقولون ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً.
قال القرطبي: اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا أو هم نيام وأجسادهم محفوظة، فروي عن ابن عباس أنه قال: أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة، ومشى الناس معه في بعض غزوات الشام إلى موضع الكهف فوجدوا عظاماً.
وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ليحجن عيسى ابن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد "، ذكره ابن عيينة ونحوه في التوراة والإنجيل وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في التذكرة، فعلى هذا هم نيام لم يموتوا ولا يموتون إلى يوم القيامة بل يموتون قبل الساعة، انتهى والله أعلم.
ثم أكد سبحانه اختصاصه بعلم ما لبثوا بقوله (له غيب السماوات والأرض) أي ما خفي فيهما وغاب من أحوالهما ليس لغيره من ذلك شيء، ثم زاد في المبالغة والتأكيد فجاء بما يدل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال (أبصر به وأسمع) فأفاد هذا التعجب على أن شأنه سبحانه في علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين وأنه يستوي في علمه الغائب والحاضر والخفي والظاهر والصغير والكبير واللطيف والكثيف.
وكان أصله ما أبصره وما أسمعه، ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء على سبيل المجاز والباء زائدة عند سيبويه وخالفه الأخفش، والبحث مقرر في علم النحو، والهاء لله تعالى، وقيل هو أمر حقيقة لا تعجب وأن الهاء تعود على الهدى المفهوم من الكلام أي أبصر بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور وأسمع به العالم والأول أولى، وقرئ أبصر وأسمع فعلاً ماضياً