للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكل من قال أنه رأى الخضر وهو صادق فإما أن يتخيل له في نفسه أنه رآه ويظن ما في نفسه كان في الخارج كما يقع لكثير من أرباب الرياضات، وإما أن يكون جنياً يتصور له بصورة إنسان ليضله وهذا كثير جداً قد علمنا منه ما يطول وصفه، وإما أن يكون رأى إنسياً ظن أنه الخضر وهو غالط في ظنه فإن قال له ذلك الجني أو الإنسي أنه الخضر فيكون قد كذب عليه، لا يخرج الصدق في هذا الباب عن هذه الأقسام الثلاثة.

وأما الأحاديث فكثيرة ولهذا لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه رأى الخضر ولا اجتمع به لأنهم كانوا أكمل علماً وإيماناً من غيرهم فلم يكن يمكن شيطان التلبيس عليهم كما لبس على كثير من العباد، ولهذا كثير من الكفار اليهود والنصارى يأتيهم من يظنون أنه الخضر ويحضر في كنائسهم وربما حدثهم بأشياء وإنما هو شيطان جاء إليهم يضلهم، ولو كان الخضر حياً لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيؤمن به ويجاهد معه كما أخذ الله الميثاق على الأنبياء واتباعهم بقوله: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه).

والخضر قد أصلح السفينة لقوم من عرض الناس فكيف لا يكون بين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو إن كان نبياً فنبينا أفضل منه، وإن لم يكن نبياً فأبو بكر وعمر أفضل منه، وهذا مبسوط في موضعه انتهى وسيأتي الكلام على ذلك في آخر هذه القصة إن شاء الله تعالي.

(وعلمناه) من علم الغيب الذي استأثرنا به، وفي قوله (من لدنا علماً) تفخيم لشأن ذلك العلم وتعظيم له، قال الزجاج: وفيما فعل موسى وهو من أجله الأنبياء من طلب العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأن يتواضع لمن هو أعلم منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>