تعالى خاطبه بعد القتل بالإيمان وسماه مؤمناً حال ما وجب عليه من القصاص، وقتل العمد والعدوان من الكبائر بالإجماع، فدل على أن صاحب الكبيرة مؤمن، وأنه تعالى أثبت الأخوة بين القاتل وولي الدم وأراد بها أخوة الإيمان، فلولا أن الإيمان باق على القاتل لم تثبت له الأخوة، وأيضاً ندب إلى العفو عن القاتل والعفو لا يليق إلا عن المؤمن لا عن الكافر.
(ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) إشارة إلى العفو والدية أي أن الله شرع لهذه الأمة العفو من غير عوض، أو بعوض، ولم يضيق عليهم كما ضيق على اليهود، فإنه أوجب عليهم القصاص ولا عفو، وكما ضيق على النصارى فإنه أوجب عليهم العفو ولادية، وفيه تضييق على كل من الوارث والقاتل، فهذا تخفيف مما كتب على من كان قبلكم.
(فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) أي بعد التخفيف نحو أن يأخذ الدية ثم يقتل القاتل أو يعفو ثم يستقص.
وقد اختلف أهل العلم فيمن قتل القاتل بعد أخذ الدية فقال جماعة منهم مالك والشافعي أنه كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه، وقال قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم: عذابه أن يقتل البتة ولا يمكن الحاكم الولي من العفو، وقال الحسن: عذابه أن يرد الدية فقط ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة، وقال عمر بن عبد العزيز: أمره إلى الإمام يصنع فيه ما رأى.
وأخرج عبد الرازق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي شريح الخزاعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالداً فيها أبداً "(١) وعن قتادة