الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) قالوا فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده عنها، وأجابوا عنه بأن معناه أنهم مبعدون عن العذاب فيها والاحتراق بها، فمن دخلها وهو لا يشعر بها ولا يحس منها وجعاً ولا ألماً فهو مبعد عنها.
وقالت فرقة: الورود هو الإشراف والاطلاع والقرب، وذلك أنهم يحضرون موضع الحساب وهو بقرب جهنم فيرونها وينظرون إليها في حالة الحساب، ثم ينجي الله الذين اتقوا مما نظروا إليه ويصار بهم إلى الجنة كما سيأتي، ومما يدل على أن الورود لا يستلزم الدخول قوله تعالى:(ولما ورد ماء مدين) فإن المراد أنه أشرف عليه لا أنه دخل فيه، ولا يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط أو الورود على جهنم وهي خامدة فيه، جمع بين الأدلة من الكتاب والسنة فينبغي حمل هذه الآية على ذلك لأنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول النار مع كون الداخل من المؤمنين مبعداً من عذابها، أو بحمله على المضي فوق الجسر المنصوب عليها، وهو الصراط.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي والحاكم وصححه عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن وقال بعضنا يدخلونها جميعاً ثم ننجي الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فذكرت له فقال -وأهوى بأصبعه إلى أذنيه- صممنا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجاً من بردها