وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى والطبراني عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من جهس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعاً لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم، فإن الله يقول:(وإن منكم إلا واردها) " والأحاديث في تفسير هذه الآية كثيرة جداً.
وأما فائدة دخول المؤمنين النار، إذا لم يكن عذاب فَبوُجُوه. أحدها أن ذلك مما يزيدهم سروراً إذا علموا الخلاص منه؛ وثانيها أنَّ فيه مزيد همّ على أهل النار حيث يرون المؤمنين يتخلصون منها وهم باقون فيها، وثالثها أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب على الكفار صار ذلك سبباً لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة، ولا نقول صريحاً إن الأنبياء يدخلون النار أدباً معهم، ولكن نقول إن الخلق جميعاً يردونها كما دلت عليه أحاديث الباب، فالعصاة يدخلونها بجرائمهم، والأولياء والسعداء يدخلونها لشفاعتهم، فبين الداخلين بَوْنٌ.
(كان على ربك حتماً مقضياً) أي كان ورودهم المذكور أمراً محتوماً لازماً قد قضى سبحانه أنه لا بد من وقوعه لا محالة بمقتضى حكمته لا بإيجاب غيره عليه قال مجاهد: مقضياً قضاء من الله. وقال عكرمة: قسماً واجباً. قالت الأشاعرة: إن هذا مشبه بالواجب من جهة استحالة تطرق الخلف إليه. وقد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن العقاب واجب على الله، وأن صاحب الكبيرة مخلد، والفاسق مخلد في النار، بدليل أن الله بين أن الكل يردونها، ثم لين صفة من ينجو، وهم المتقون، والفاسق لا يكون متقياً فبقي في النار أبداً.
وأجيب عن ذلك بأن المتقي هو الذي يتقي الشرك، فصاحب الكبيرة متق، فوجب أن يخرج من النار بعموم قوله:(ثم ننجي الذين اتقوا) فالآية التي توهموها دليلا لهم هي من أقوى الدلائل على فساد قولهم، وهذا من حيث البحث وأما من حيث النص فقد وردت أحاديث تدل على إخراج المؤمن الموحد من النار وهي معروفة.