والمعنى أقيموا مكانكم، وذلك في مسيرة من مدين طالباً مصر، ولما قضى الأجل الذي جعله عليه شعيب وبينها وبين مصر ثمان مراحل، وعبر بالمكث دون الإقامة لأنها تقتضي الدوام والمكث ليس كذلك.
(إني آنست ناراً) أي أبصرت يقال آنست الصوت سمعته وآنست الرجل أبصرته، وقيل الإيناس الإبصار البَيِّن، ومنه إنسان العين لأنه يبصر به الأشياء وقيل هو الوجدان وقيل الإحساس فهو أعم من الإبصار وقيل الإيناس مختص بإبصار ما يؤنس، والجملة تعليل للأمر بالمكث ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى متوقعين بني الأمر على الرجاء فقال:
(لعلّي) لعدم الجزم بوفاء الوعد (آتيكم) أجيئكم (منها) أي من النار (بقبس) هو الجذوة والشعلة من النار في رأس عود أو قصبة أو فتيلة ونحوها وهو فَعَل بمعنى مفعول كالقَبَض والنَقَض بمعنى المقبوض والمنقوض وكذا المقياس يقال قبست منه ناراً أقبس قبساً فأَقْبَسَني أي أعطاني وكذا اقْتَبَسْتُ، قال اليزيدي: أَقْبَسْتُ الرجلَ علما وَقَبَسْتُهُ ناراً ففرقوا بينهما هذا قول المبرد، فإن كنت طلبتها له قلت: أقبسته، وقال الكسائي: أقبسته ناراً وعلماً سواء قال: وقبسته أيضاً فيهما.
(أو) لمنع الخلو وهو الظاهر دون الجمع (أجد على النار) وحرف الاستعلاء للدلالة على أن أهل النار مستعلون على أقرب مكان إليها كما قال سيبويه (هدى) أي هادياً يهديني إلى الطريق، ويدلني عليها، قاله ابن عباس وكان أخطأها لظلمة الليل، قال الفراء: أراد هادياً، فذكره بلفظ المصدر، أو عبر بالمصدر لقصد المبالغة على حذف المضاف أي ذا هدى ولعله لم يقل قوماً يهدونني كما في الكشاف إذ لا دليل على فوق الواحد.