للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى شهادة زور أو يمين فاجرة فلا يحل له أكله فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وهكذا إذا أرشى الحاكم فحكم له بغير الحق فإنه من أكل أموال الناس بالباطل، ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام، ولا يحرم الحلال.

وقد روي عن أبي حنيفة ما يخالف ذلك، وهو مردود بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " وهو في الصحيحين وغيرهما (١).

وقيل معناه لا تأكلوا المال بالباطل وتنسبوه إلى الحكام، والأول أولى، وكان شريح القاضي يقول إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالماً ولكن لا يسعني إلا أن أقضي بما يحضرني من البينة وأن قضائى لا يحل لك حراماً (لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم) أي قطعة أو جزءاً أو طائفة فعبر بالفريق عن ذلك، وأصل الفريق القطعة من الغنم تشذ عن معظمها، وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير لتأكلوا أموال فريق من الناس بالإثم، وسمي الظلم والعدوان إثماً باعتبار تعلقه بفاعله، قال ابن عباس أي باليمين الكاذبة، وقيل بشهادة الزور.

(وأنتم تعلمون) أي حال كونكم عالمين أنكم على الباطل أو أن ذلك باطل ليس من الحق في شيء، وهذا أشد لعقابهم وأعظم لجرمهم.


(١) حديث (إنكم تختصمون لدي ... ) رواه مسلم ١٧١٣.
وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: " إنما أنا بشر وأنه يأتيني الخصم.
فلعل بعضكم أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق، فأقضي له. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها ".

<<  <  ج: ص:  >  >>