والمنة الخامسة قوله:(وقتلت نفساً) المراد بالنفس هنا نفس القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه واسمه (قاب قان) وكان طباخاً لفرعون وكان قتله له خطأ وكان عمره إذ ذاك اثنتي عشرة سنة، وقيل ثلاثين سنة (فنجيناك من الغم) أي الغم الحاصل معك من قتله خوفاً من العقوبة الأخروية أو الدنيوية أو منهما جميعاً، وقيل من جهة فرعون لا من جهة قتله لأنه كان كافراً وأيضاً قتله له كان خطأ، وقيل الغم هو القتل بلغة قريش وما أبعده هذا.
والمنة السادسة قوله:(وفتناك فتوناً) الفتنة تكون بمعنى المحنة وبمعنى الأمر الشاق، وكل ما يبتلى به الإنسان، والفتون مصدر كالثبور والسكون والكفور أي اختبرناك اختباراً وابتليناك ابتلاء أو فتوناً من الابتلاء على أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بتاء التأنيث كحجوز في حجزة، وبدور في بدرة أي خلصناك مرة بعد مرة مما وقعت فيه من المحن التي سبق ذكرها قبل أن نصطفيك لرسالتنا أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ثم إلقاءه في البحر في التابوت، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم بقتله؛ ثم تناوله الجمرة بدل الجوهر، ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفاً.
وقد أخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبن مردويه عن ابن عباس أثراً طويلاً في تفسير هذه الآية فمن أحب استيفاء ذلك فلينظر في كتاب التفسير من سنن النسائي ولعل المقصود بذكر تنجيته من الغم الحاصل له بذلك السبب وتنجيته من المحن هو الامتنان عليه بصنع الله سبحانه وتقوية قلبه عند ملاقاة ما سيقع له من ذلك مع فرعون وبني إسرائيل.
والمنة السابعة قوله:(فلبثت سنين في أهل مدين) قال الفراء: تقدير الكلام وفتناك فتوناً فخرجت إلى أهل مدين فلبثت سنين ومثل هذا الحذف