(إنه) أي أن موسى (لكبيركم) أي أسحركم وأعلاكم درجة في صناعة السحر، فلا عبرة بما أظهرتموه، أو معلمكم وأستاذكم، كما يدل عليه قوله:(الذي علمكم السحر) يعني إنكم تلامذته في السحر، فاصطلحتم وتواطأتم معه على أن تظهروا العجز من أنفسكم ترويجاً لأمره وتفخيماً لشأنه.
قال الكسائي: الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال: جئت من عند كبيري. وقال محمد بن إسحاق: إنه لعظيم السحر. قال الواحدي: الكبير في اللغة الرئيس. ولهذا يقال للمعلم الكبير، أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس حتى لا يؤمنوا، وإلا فقد علم أنهم لم يتعلموا من موسى ولا كان رئيساً لهم ولا بينه وبينهم مواصلة.
(فلأقطعن أيديكم وأرجلكم) أي والله لأفعلن بكم ذلك، والتقطيع للأيدي. والأرجل (من خلاف) هو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، لأن كل واحد من العضوين يخالف الآخر بأن هذا يد وذاك رجل، وهذا يمين وذاك شمال، أي لأقطعنها مختلفات، ومن لابتداء الغاية، كان القطع ابتدئ من مخالفة العضو للعضو.
(ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي على جذوعها؛ كقوله:(أم لهم سلم يستمعون فيه) أي عليه، وإنما آثر كلمة (في) للدلالة على استقرارهم عليها؛ كاستقرار المظروف في الظرف، وهذا هو المشهور، وخص النخل لطول جذوعها؛ وقيل إنه نقر جذوع النخل حتى جوفها ووضعهم فيها فماتوا جوعاً وعطشاً، وهذا على الحقيقة كما أن الأول على المجاز وهو الأولى.
(ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى) أراد لتعلمن هل أنا أشد عذاباً لكم على إيمانكم به أم موسى؟ ومعنى أبقى أدوم، وهو يريد بكلامه هذا الاستهزاء بموسى لأن موسى لم يكن من التعذيب في شيء، ويمكن أن يريد العذاب الذي توعدهم به موسى إن لم يؤمنوا، وقيل إشارة إلى أن إيمانهم لم يكن ناشئاً عن مشاهدة المعجزة بل كان من خوفهم من موسى حيث رأوا ما وقع من عصاه.