للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن ابن عباس في هذه الآية وفي قوله (وجزاء سيئة) الآية وقوله (ولمن انتصر بعد ظلمه) الآية وقوله (وإن عاقبتم) الآية قال هذا ونحوه نزل بمكة، والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين، فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى، فأمر الله المسلمين من يتجارأ منهم أن يتجارأ بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية، فقال (ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً) الآية يقول ينصره السلطان حتى ينصفه على من ظلمه، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله انتهى.

وأقول هذه الآية التي جعلها ابن عباس ناسخة مؤيدة لما تدل عليه الآيات التي جعلها منسوخة ومؤكدة له، فإن الظاهر من قوله (فقد جعلنا لوليه سلطاناً) أنه جعل السلطان له، أي جعل له تسلطاً يتسلط به على القاتل، ولهذا قال (فلا يسرف في القتل).

ثم لو سلمنا أن معنى الآية كما قاله لكان ذلك مخصصاً للقتل من عموم الآيات المذكورة لا ناسخاً له، فإنه لم ينص في هذه الآية إلا على القتل وحده، وتلك الآيات شاملة له ولغيره، وهذا معلوم من لغة العرب التي هي المرجع في تفسير كلام الله سبحانه.

ولما أباح لهم الاقتصاص بالمثل، وشأن النفس حب المبالغة في الانتقام من العدو حذرهم من ذلك فقال (واتقوا الله) أي في حال كونكم منتصرين لأنفسكم ممن اعتدى عليكم فلا تعتدوا إلى ما لا يحل لكم (واعلموا أن الله مع المتقين) بالنصر والعون.

<<  <  ج: ص:  >  >>