من تلك الشجرة أي حاد عنه ولم يظفر به هذا هو الحق في تقرير هذا المقام، وقيل فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا، وقيل جهل موضع رشده، وقيل بشم (١) من كثرة الأكل، قال ابن قتيبة: أكل آدم من الشجرة التي نهى عنها باستزلال إبليس وخدعه إياه، والقسم له بالله إنه له لمن الناصحين حتى دلاه بغرور، ولم يكن ذنبه عن اعتقاد متقدم ونية صحيحة، فنحن نقول عصى آدم ربه فغوى انتهى.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يجوز لأحد أن يخير اليوم بذلك عن آدم. قلت لا مانع من هذا بعد أن أخبرنا الله سبحانه في كتابه بأنه عصاه، وكما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، قال في المدارك: وفي التصريح بقوله: (وعصى آدم ربه فغوى) والعدول عن قوله: وزل آدم، مزجرة عظيمة وموعظة بليغة للمكلفين كافة كأنه قيل له انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم زلته بهذه الغلظة فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلاً عن الكبائر، ومما قال الشوكاني في هذا المعنى:
عصى أبو الْعَالَمَ وهو الذي ... من طينة صوره الله
وأسْجَدَ الأملاك من أجله ... وصير الجنة مأواه
أغواه إبليس فمن ذا أنا الـ ... ـمسكينُ إنْ إبليسُ أغواه
وحديث محاجة آدم وموسى في الصحيحين عن أبي هريرة كما سيأتي، وفيه: أتلومني على أمر قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، وقد أطال الرازي في بيان اختلاف الناس في عصمة الأنبياء في هذا المقام بما عنه غنى وفي تركه سعة وتبعه في ذلك الخازن في تفسيره فلا نطول الكلام بذكره.
(١) البشم: التخمة يقال بشمت من الطعام بالكسر أهـ صحاح.