للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحاصل أن المجتهدين لا يقدرون على إصابة الحق في كل حادثة، لكن لا يصرون على الخطأ كما رجع داود هنا إلى حكم سليمان لما ظهر له أنه الصواب. وقد أوضح الشوكاني هذه المسألة بما لا مزيد عليه في القول المفيد وأدب الطلب، فمن أحب الوقوف على تحقيق الحق فليرجع إليهما وإلى المؤلف الذي سميناه حصول المأمول من علم الأصول، وإلى كتابنا الجنة في الأسوة الحسن بالسنة، ففيهما ما يغني عن غيرهما.

قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا، ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده. وقال مجاهد: كان هذا صلحاً وما فعله داود كان حكماً والصلح خير، فإن قلت فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داوود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية؟.

قلت قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها (١)، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عنها أو قيمته وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث. وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ وأن البهائم إذا أفسدت زرعاً في ليل أو نهار لا يلزم صاحبها شيء، وأدخلوا فسادها في عموم قول النبي: " جرح العجماء جبار " (٢)؛ قياساً لجميع أفعالها على جرحها.

ويجاب عنه بأن هذا القياس فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص. ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يضمن رب الماشية ما أفسدته من غير فرق بين الليل والنهار ويجاب عنه بحديث البراء، وقد بسط الشوكاني رحمه الله الكلام


(١) الموطأ كتاب الأقضية ٣٦ - الإمام أحمد ٥/ ٤٣٦.
(٢) مسلم ١٧١٠ - البخاري ٨٠٢ بلفظ: " العجماء وجرحها جبار ".

<<  <  ج: ص:  >  >>