ألف حسنة، وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين، انتهى.
أقول: المعتمد في الباب أن الركوب أفضل من المشي لأن رسول الله " - صلى الله عليه وسلم - " حج راكباً كما في الروايات الصحيحة المشهورة، وفضيلة الاتباع تربو على غيره، وإن كان المشي فضيلة في نفسه سواء قدر على المشي أم لا قبل الإحرام وبعده، والحديث الذي ذكره الكرخي تبعاً للغزالي، والرافعي ضعيف على ما فيه، قاله ابن علان في مثير شوق الأنام إلى بيت الله الحرام، وممن ضعّفه ابن حجر المكي في شرح العباب وشرح المنهاج. والجواب عن التقديم أنه قد لا يفيد التفضيل قطعاً أو على الأصح، وقد يتقدم المفضول ويتأخر الأفضل، قال تعالى:(فمنكم كافر ومنكم مؤمن) وقال: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) وقال: (إن مع العسر يسراً) إلى غير ذلك من الآيات فليعلم، وقال:(يأتوك) وإن كانوا يأتون البيت لأن من أتى الكعبة حاجاً فقد أتى إبراهيم لأنه أجاب نداءه.
(وعلى كل ضامر) أي وركباناً على كل بعير، والضامر: البعير المهزول، الذي أتعبه السفر، يقال ضمر يضمر ضموراً؛ وضَمَر الفرس من باب دخل وضمُر أيضاً بالضم فهو ضامر فيهما، وناقة ضامر وضامرة وتضمير الفرس أيضاً أن تعلفه حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت وذلك في أربعين يوماً، ووصف الضامر بقوله:(يأتين) باعتبار المعنى لأن ضامر في معنى ضوامر.
(من كل فج عميق) الفج الطريق الواسع، الجمع فجاج والعميق البعيد، قال النسفي: قدم الرجال على الركبان إظهاراً لفضيلة المشاة انتهى، وليس بشيء لأن الاستطاعة المفسرة بالزاد والراحلة في الحديث الصحيح شرط في فريضة الحج واستدل بذلك بعضهم على أنه لا يجب الحج على راكب البحر، وهو استدلال ضعيف، لأن مكة ليست على بحر، وإنما يتوصل إليها على إحدى هاتين الحالتين بمشي أو ركوب، فذكر تعالى ما يتوصل به إليها.