(فاستمعوا له) أي لضرب هذا المثل وتدبروه حق تدبره، فإن الاستماع بلا تدبر وتعقل لا ينفع، والمعنى أن الكفار جعلوا لله مثلاً لعبادتهم غيره فكأنه قال: جعلوا لي شبيهاً في عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه، ثم بين حالها وصفتها فقال:
(إن الذين تدعون من دون الله) المراد بهم الأصنام التي كانت حول الكعبة وغيرها، وقيل المراد بهم السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله، لكونهم أهل الحل والعقد فيهم؛ وقيل الشياطين الذين حملوهم على معصية الله، والأول أوفق بالمقام وأظهر في التمثيل.
(لن يخلقوا ذباباً) واحداً مع ضعفه وصغره وقلته وهو اسم للواحد يطلق على الذكر والأنثى وجمع القلة إذبة والكثرة ذبان بالكسر مثل غراب وأغربة وغربان وبالضم كقضبان.
وقال الجوهري: الذباب معروف، الواحد ذبابة، وسمي ذباباً لأنه كلما ذب لاستقذاره آب لاستكباره و (لن) لتأكيد النفي المستقبل وتأكيده هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل، كأنه قال: محال أن يخلقوا.
وتخصيص الذباب لمهانته واستقذاره، والمعنى لن يقدروا على خلقه مع كونه صغير الجسم حقير الذات وهو أجهل الحيوانات، لأنه يرمي نفسه في المهلكات، ومدة عيشه أربعون يوماً، وأصل خلقته من العفونات ثم يتوالد بعضه من بعض يقع روثه على الشيء الأبيض فيرى أسود، وعلى الأسود فيرى أبيض.
(ولو اجتمعوا له) أي لخلق الذباب، والتقدير لن يخلقوه على كل حال، ولو في هذه الحالة المقتضية لجمعهم، فكأنه تعالى قال: إن هذه الأصنام إن اجتمعت لا تقدر على خلق ذبابة على ضعفها فكيف يليق بالعاقل