سبحانه، فالأولى تفسير الحق هنا وهناك بالصدق الصحيح من الدين الخالص من شرع الله، والمعنى ولو ورد الحق متابعاً لأهوائهم موافقاً لفاسد مقاصدهم لحصل الفساد، والمراد بمن في السماوات والأرض ما فيهما من المخلوقات وخص العقلاء بالذكر لأن غيرهم تبع.
وقرأ ابن مسعود: وما بينهما، وسبب فساد المكلفين من بني آدم ظاهر، وهو ذنوبهم التي من جملتها الهوى المخالف للحق، وأما فساد ما عداهم فعلى وجه التبع لأنهم مدبرون في الغالب بذوي العقول، فلما فسدوا فسدوا، ثم ذكر سبحانه أن نزول القرآن عليهم من جملة الحق فقال:
(بل أتيناهم بذكرهم) إضراب وانتقال عن قوله: (وأكثرهم للحق كارهون) أي كيف يكرهون الحق مع أن القرآن أتاهم بتشريفهم وتعظيمهم، فاللائق بهم الانقياد، فالمراد بالذكر هنا القرآن، أي أتيناهم بالكتاب الذي هو فخرهم وشرفهم لأن الرسول منهم والقرآن بلغتهم؛ ومثله قوله:(وإنه لذكر لك ولقومك) وحاصل المعنى بل أتيناهم بفخرهم وشرفهم الذي كان يجب عليهم أن يقبلوه، ويقبلوا عليه وقال قتادة: المعنى بذكرهم الذي ذكر فيه ثوابهم وعقابهم. وقيل المعنى بذكر ما لهم به حاجة من أمر الدين.
وقرئ أتيتهم بتاء التكلم وأتيتهم بتاء الخطاب، أي أتيتهم يا محمد، وقرئ بذكراهم، ونذكرهم بصيغة التكلم من التذكير، وقيل الذكر هو الوعظ، وقيل الذي كانوا يتمنونه، ويقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين وقال ابن عباس: أتيناهم بينّا لهم.
(فهم) بما فعلوا من الاستكبار والنكوص (عن ذكرهم) المختص بهم (معرضون) بسوء اختيارهم لا يلتفتون إليه بحال من الأحوال، وأتى بذكرهم مظهراً للتوكيد والتشنيع عليهم، وفي هذا التركيب ما يدل على أن إعراضهم مختص بذلك لا يتجاوزه إلى غيره؛ ثم بين سبحانه أن دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم ليست مشوبة بأطماع الدنيا فقال: