حد الزنا مستوفى، وهذه الآية ناسخة لأية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء، وزاد النسفي والتغريب منسوخ بالآية، وليس بصحيح فقد أثبتته السنة الصحيحة كما أشرنا إليه.
(ولا تأخذكم) بالتأنيث مراعاة للفظ، وبالياء لأنه مجازي، وللفصل بالمفعول والجار (بهما رأفة) يقال رأف يرأف رأفة، على وزن فعلة، ورأفة على وزن فعالة، مثل النشأة والنشاءة، وكلاهما بمعنى الرقة والرحمة. وقيل هي أرق الرحمة وأشدها.
(في دين الله) أي في طاعته وحكمه، كما في قوله: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك، أي لا يأخذكم الدين في استيفاء الحدود فتعطلوها، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي. وقيل تخففوا الضرب، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن.
قال الزهري: يجتهد في حد الزنا والفرية، أي القذف، ويخفف في حد الشرب. وقيل يجتهد في حد الزنا ويخفف دون ذلك في حد القذف ودونه في حد الشرب، ثم قال: مثبتاً للمأمورين ومهيجاً لهم.
(إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر) أي إن كنتم تصدقون بالتوحيد والبعث الذي فيه جزاء الأعمال لا تعطلوا الحدود، وفي إلهاب الغضب لله ولدينه، وذلك لأن الإيمان بهما يقتضي التجلد في طاعة الله وفي إجراء أحكامه، وذكر اليوم الآخر لتذكير ما فيه من العقاب في مقابلة المسامحة في الحدود وتعطيلها، والحاصل أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ويستعملوا الحث والمتانة ولا يأخذهم اللين والهوان في استيفاء حدود الله، وكفى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة في ذلك حيث قال:" لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها "(١).