وقيل كان ينبغي لكم بمجرد سماعه أن تحسنوا الظن في أم المؤمنين، فضلاً عن أن تتمادوا في سماعه؛ فضلاً أن تصرّوا عليه بعد السماع.
قال الحسن: معنى بأنفسهم بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة في اشتراك الكل في الإيمان، ألا ترى إلى قوله:(ولا تقتلوا أنفسكم)؟.
قال الزجاج: وكذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضاً أنهم يقتلون أنفسهم. قال المبرد: ومثله قوله تعالى: (فاقتلوا أنفسكم) قال النحاس: معنى (بأنفسهم) بإخوانهم. وقيل بأبناء جنسهم، فأوجب الله سبحانه على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحداً ويذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر ولم يقل ظننتم بأنفسكم خيراً، وقلتم ليبالغ في التوبيخ بطريق الالتفات وليدل التصريح بلفظ الإيمان على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن، وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له، وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما يسمعه بإخوانه، وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.
قال العلماء: في الآية دليل على أن درجة الإيمان والعفاف لا يزيلها الخبر المحتمل وإن شاع.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم عن بعض الأنصار أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى وذلك الكذب، أكنت أنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله، قال: فعائشة خير منك وأطيب، إنما هذا كذب وإفك باطل، فلما نزل القرآن ذكر الله من قال من الفاحشة ما قال من أهل الإفك، ثم قال:(لولا إذ سمعتموه) الآية، أي كما قال أبو أيوب وصاحبته.